السبت، 19 يناير 2013

ورقة من مذكرات متشرد.. قصة قصيرة

ورقة من مذكرات متشرد 

تُعدّ هذه السطور هي آخر ما أكتبه و أنا أتعثر صباح مساء على هذه الرمضاء ، اليوم وجدتُ رسالة مجهولة على مكتبي التعيس و كانت تحتوي على ورقة بها صورة مسدّس ، و رغم أنّي أشهر أغبياء المدرسة إلّا أنّ غبائي حدثني بأن وراء الأكمة أسد شرس !! لم يعد الأمر بيدي ، فقد سئمتُ الناس هنا و أتت هذه الرسالة لتقصم ظهري و أقرر بكامل إرادتي المسلوبة أن أرحل . لن يحدث شيء لو لم أرحل سوى إرهاق شخص بعملية قتلي !! و لن أُتعِبَ الشرطة في البحث عنه إذا فكّرتْ في ذلك ، و لو لم أنتقل لقبري و بقيتْ فيّ روحٌ ترغب في حياة الرعب هذه و لكنها مُصابة برصاصة غادرة فلن أكلّف على أيّ مشفى استقبالي ...
هذه أشياء كثيرة جداً لا يستحقها المتشردون و لو حملوا ألف جواز سفر !!
و مع أن الرحيل عذاب يتجذّر في أعماقي فلم يعُدْ يهمني بقدر ما يقلقني أنّي سأغادر المكان و لم أختزن في ذاكرتي صوراً جميلة لكل بقعة هنا .. شروق الشمس و غروبها .. الأشجار الفاتنة .. الطيور على أسلاك الكهرباء .. حمائم الميدان الأليفة .. حدائق الحيوان .. و الريف المعطر بفصول أربعة .. أشياء كثيرة أهملتها هنا و لم أحفل بها .. ما أتذكره الآن هو وجه صاحب المقهى الذي أجلس فيه كل مساء و الذي لا يتحوّل عن اللون الأحمر حتى لو كان في قمة هدوئه .. كم يكرهني هذا الرجل ، و مع ذلك فهو مسكين مثل كل مساكين هذا العالم ، إنه يكدح طويلاً و يصطبر على أذى رواد مقهاه من أجل الملاليم .. أتذكر أنه كلما رآني قال : " الكلاب الضالة تبحث عن فريسة ، و القطط النتنة تُقَلّب النفايات " ثم يسألني ساخراً : "و أنت من القطط أليس كذلك ؟! " 
مع ذلك كنتُ اتعمّد إغاظته كل يوم فأجلس أمام بابه و أرفع عقيرتي بكلمات تدعو أصحاب المقاهي الصغيرة إلى محاربة الفئران !! .. أعتقد أنني كنتُ شيطاناً !! لا يهمّ ما أكون ، لكنّي سأفتقده كما سأفتقد جاري العجوز الفاقد للذاكرة و الذي لم ينس اسمي قط !!
الليلة لن أنام فلم أرَ طفلاً ـ في الزمن الذي مضى ـ يستطيع النوم ليلة العيد !! و هل في الرحيل عيد ؟! ربما ، لكنّي سئمت .. الضجر يستوطن نفسي منذ غادرتُ وطني ، و رغم أنّي تمزّقتُ بين بلدان شتى إلا أنّي استعذبتُ هذا الحال .. لأفرح الآن ففي الغد متّسع للدموع و الشجن .

انتهت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق