الخميس، 29 أغسطس 2013

وضحى...

وضحى...
قصة قصيرة..

كانت تقف قُرب الطريق الترابي الذي يربط قريتها النائية بأقرب مدينة.. كانت صغيرة في عمر التاسعة كما قدّرتُ لها.. رأيتها تمسح جبينها وتقعد القرفصاء قرب الطريق.. طلبتُ من أخي أن يتوقف بنا عندها.. فنزلتُ ومشيتُ نحوها.. عندما رأتني أقبلتُ نحوها قامتْ واقفة وألقت نظرة نحو البعيد حيث ترعى الأغنام.. ألقيتُ عليها التحية فردّت بأحسن منها.. وبادرتني بالسؤال: أنتِ (الأبله) الجديدة؟! أجبتها: نعم، أنا هي، لماذا تقعدين هنا؟ زميلاتكِ الآن في المدرسة وأنتِ هنا، ماذا تفعلين؟! أجابت: أرعى الغنم يا (أبله) قلت: ولماذا ترعينها أنتِ؟ لماذا لا تذهبين للمدرسة ويرعاها غيرك؟! أجابت بعد تنهيدة طويلة : والله يا (أبله) أخواني في المدرسة، وأبي لا يريد أن أذهب للمدرسة، يريدني أن أرعى الغنم.. سألتها بغضب: ولماذا لا يريدك أن تذهبي للمدرسة؟ من حقّكِ أن تتعلمي أسوة بإخوتك؟! قالت وهي تتنهد مرّة أخرى: يا (أبله) نحن ثلاث بنات ولم ندخل المدرسة لأن أبي يرفض، لقد حاول معه إخواني ولكنه رفض.. سألتها: ما اسمكِ؟ وكم عمرك؟! قالت: اسمي وضحى، وعمري ثمان سنوات.. سألتها: غير رعي الغنم، ماذا تفعلين أيضاً؟! أجابت وهي تبتسم بسعادة: يا (أبله) أنا أتعلم الحروف مع إخواني.. والله يا (أبله) العلم حلو.. وقعدت بسرعة وراحت بأصابعها الصغيرة ترسم حروف اسمها على الأرض وترفع رأسها نحوي وتقول: هذا يا (أبله) اسمي.. أعرف كتابة اسمي.. وهذا اسم أختي نفلا ومنيفة.. رأيتها ترسم الأسماء بخط جميل على الأرض، فقعدتُ بجانبها وسألتها: وماذا تعرفين أيضاً؟! تجاهلت سؤالي.. قالت وهي تبتسم: قولي اسمك يا (أبله) وأنا سأكتبه.. قلتُ: (علياء).. ضحكت وقالت: (أبله عليا) والله اسمك سهل.. نفس اسم ابنة عمي.. كانت تتحدث وهي تخطّ بأصبعها السبابة اسمي على الأرض.. ثم رفعت رأسها وقالت: صح يا (أبله)؟! أجبتها وأنا ابتسم: صح يا وضحى.. صفقت بيديها وقالت: يا (أبله) أنا أحفظ سورة الفاتحة.. وأعرف قراءة السور كلها من القرآن.. ثم انطلقت تقرأ سورة الفاتحة غيباً وهي تنظر للبعيد حيث أغنامها.. ولم تكد تكملها حتى صاحت وهي تقف: مع السلامة يا (أبله) الغنم راحت.. وقبل أن أقوم من مكاني كانت وضحى تصدر صيحات متتالية وهي تركض بعيداً حيث كانت أغنامها.. أتمنى لكِ كل الخير يا وضحى.. سيبقى اسمكِ محفوراً في ذاكرتي إلى الأبد.

نُشرت في المجلة العربية11/05/2013