الخميس، 24 يناير 2013

هزيمة.. خاطرة قصيرة و بسيطة


هزيمة!

في انحناءات الدروب ألف أفعى تتلوى، تتوارى بين أنياب الصخور.. لا تُبالي 

بارتجاف العابرين.. ألف أفعى ترتدي شتى الملابس دون خوفٍ أو حياء.. إنها الأفعى، 

و هل تهوى الأفاعي غير امتصاص الدم من كل الجوارح و القلوب...


في انحناءات الدروب..ألف سوق و دور و ميناء و عين..ألف نصل و سهم و أذن..

و شيء لا يُرى يختفي كالأفاعي بين انحناءات الدروب.. و الأفاعي لا تهاب 

العابرين!!


أيها العابر بين انحناءات الدروب .. لا تُقاتِلْ و تُحاربْ .. لا تُقاومْ.. فالفناء اليوم 

عنوان الدروب.. اِجهلْ الأرض و عبير الأزمنة.. و ارتحلْ .. دون قلبٍ أو مشاعر..

 فالدروب لا تُقيمُ اليومَ وزناً للقلوبْ...


أيها العابر دون دمعٍ أنبت الزهر على أرض الوطن.. اِرتحلْ.. فالهزيمة داء كل

 التعساء البائسين.. اِرتحلْ مثل كل الراحلين.. فالأفاعي ، كم تحب الراحلين...


في انحناءات الدروب، ألف معنى سذجٍ أو معنى عميق.. أيها الراحل.. لا تُبالي 

بانحناءات الطريق...

انتهت:)

السبت، 19 يناير 2013

ورقة من مذكرات متشرد.. قصة قصيرة

ورقة من مذكرات متشرد 

تُعدّ هذه السطور هي آخر ما أكتبه و أنا أتعثر صباح مساء على هذه الرمضاء ، اليوم وجدتُ رسالة مجهولة على مكتبي التعيس و كانت تحتوي على ورقة بها صورة مسدّس ، و رغم أنّي أشهر أغبياء المدرسة إلّا أنّ غبائي حدثني بأن وراء الأكمة أسد شرس !! لم يعد الأمر بيدي ، فقد سئمتُ الناس هنا و أتت هذه الرسالة لتقصم ظهري و أقرر بكامل إرادتي المسلوبة أن أرحل . لن يحدث شيء لو لم أرحل سوى إرهاق شخص بعملية قتلي !! و لن أُتعِبَ الشرطة في البحث عنه إذا فكّرتْ في ذلك ، و لو لم أنتقل لقبري و بقيتْ فيّ روحٌ ترغب في حياة الرعب هذه و لكنها مُصابة برصاصة غادرة فلن أكلّف على أيّ مشفى استقبالي ...
هذه أشياء كثيرة جداً لا يستحقها المتشردون و لو حملوا ألف جواز سفر !!
و مع أن الرحيل عذاب يتجذّر في أعماقي فلم يعُدْ يهمني بقدر ما يقلقني أنّي سأغادر المكان و لم أختزن في ذاكرتي صوراً جميلة لكل بقعة هنا .. شروق الشمس و غروبها .. الأشجار الفاتنة .. الطيور على أسلاك الكهرباء .. حمائم الميدان الأليفة .. حدائق الحيوان .. و الريف المعطر بفصول أربعة .. أشياء كثيرة أهملتها هنا و لم أحفل بها .. ما أتذكره الآن هو وجه صاحب المقهى الذي أجلس فيه كل مساء و الذي لا يتحوّل عن اللون الأحمر حتى لو كان في قمة هدوئه .. كم يكرهني هذا الرجل ، و مع ذلك فهو مسكين مثل كل مساكين هذا العالم ، إنه يكدح طويلاً و يصطبر على أذى رواد مقهاه من أجل الملاليم .. أتذكر أنه كلما رآني قال : " الكلاب الضالة تبحث عن فريسة ، و القطط النتنة تُقَلّب النفايات " ثم يسألني ساخراً : "و أنت من القطط أليس كذلك ؟! " 
مع ذلك كنتُ اتعمّد إغاظته كل يوم فأجلس أمام بابه و أرفع عقيرتي بكلمات تدعو أصحاب المقاهي الصغيرة إلى محاربة الفئران !! .. أعتقد أنني كنتُ شيطاناً !! لا يهمّ ما أكون ، لكنّي سأفتقده كما سأفتقد جاري العجوز الفاقد للذاكرة و الذي لم ينس اسمي قط !!
الليلة لن أنام فلم أرَ طفلاً ـ في الزمن الذي مضى ـ يستطيع النوم ليلة العيد !! و هل في الرحيل عيد ؟! ربما ، لكنّي سئمت .. الضجر يستوطن نفسي منذ غادرتُ وطني ، و رغم أنّي تمزّقتُ بين بلدان شتى إلا أنّي استعذبتُ هذا الحال .. لأفرح الآن ففي الغد متّسع للدموع و الشجن .

انتهت.

الثلاثاء، 15 يناير 2013

مما قرأت : كتاب الأدب الصغير و الأدب الكبير لابن المقفّع ..


كتاب الأدب الكبير و الأدب الصغير لابن المقفع

يعتبر هذا الكتاب وثيقة في الأخلاق و الحكمة و الأدب ، و مدرسة نتعلم منه ما يُنير العقول و يُبهج القلوب.. كتاب صغير في حجمه لكنه كبير في مضمونه و محتواه.. إنهُ كنز ينبغي أن يُضاف إلى كل مكتبة .. قرأت الكتاب مرتين و لم أشبع منه .. نصائحه ثمينة و عباراته بليغة ..
 إنه كتاب مميز يستحق القراءة مرات و مرات.

مختارات من الكتاب و الكتاب كله رائع:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن المقفع: أما بعد، فإن لكل مخلوقٍ حاجةً، ولكل حاجةٍ غايةً، ولكل غاية سبيلاً. والله وقت للأمُور أقدارها، وهيأ إلى الغايات سبلها، وسبب الحاجات ببلاغها.
فغايةُ الناسِ وحاجاتهم صلاحُ المعاشِ والمعاد، والسبيل إلى دركها العقل الصحيح. وأمارةُ صحةِ العقلِ اختيارُ الأمورِ بالبصرِ، وتنفيذُ البصرِ بالعزمِ.
الأدب ينمي العقول
وللعقولِ سجياتٌ وغرائزُ بها تقبل الأدب، وبالأدبِ تنمى العقولُ وتزكو.


ساعة عون على الساعات
وعلى العاقل، ما لم يكن مغلوباً على نفسه، أن لا يشغلهُ شغلٌ عن أربعِ ساعاتٍ: ساعةٍ يرفعُ فيها حاجتهُ إلى ربهِ، وساعةٍ يحاسبُ فيها نفسهُ، وساعةٍ يفضي فيها إلى إخوانهِ وثقاته الذين يصدقونه عن غيوبهِ ويصونوهُ في أمرهِ، وساعةٍ يُخلي فيها بين نفسهِ وبين لذتها مما يحل ويجملُ، فإن هذه الساعةَ عونٌ على الساعات الأخرِ، وإنّ استجمام القلوبِ وتوديعها زيادةُ قوةٍ لها وفضل بلغةٍ.

الرغبات الثلاث
وعلى العاقلِ أن لا يكونَ راغباً إلا في إحدى ثلاثٍ: تزودٍ لمعادٍ، أو مرمةٍ لمعاشٍ، أو لذةٍ في غير محرمٍ.

الخصال الصالحة
وعلى العاقلِ أن يتفقد محاسنَ الناسِ ويحفظها على نفسه، ويتعهدها بذلك مثل الذي وصفنا في إصلاح المساوي.
وعلى العاقل أن لا يخادن ولا يُصاحبَ ولا يجاورَ من الناس، ما استطاعَ، إلا ذا فضلٍ في العلم والدينِ والأخلاقِ فيأخذُ عنهُ، أو موافقاً لهُ على إصلاحِ ذلك فيؤيدُ ما عندهُ، وإن لم يكن لهُ عليهِ فضلٌ.
فإن الخصال الصالحة من البر لا تحيا ولا تنمى إلا بالموافقين والمؤيدين. وليس لذي الفضلِ قريبٌ ولا حميمٌ أقربُ إليهِ ممن وافقهُ على صالحِ الخصال فزادهُ وثبتهُ.
ولذلك زعم بعضُ الأولينَ أن صُحبةَ بليدٍ نشأ مع العلماء أحب إليهم من صحبةِ لبيبٍ نشأ مع الجهال.

كن ستوراً
مما يعتبرُ به صلاحُ الصالحِ وحسنُ نظرهِ للناسِ أن يكونَ إذا استعتبَ المذنبُ ستُوراً لا يشيعُ ولا يذيعُ، وإذا استشيرَ سمحاً بالنصيحةِ مُجتهداً للرأي، وإذا استشارَ مطروحاً للحياء منفذاً للحزمِ معترفاً للحقّ.

رأس الذنوب
رأسُ الذنوبِ الكذبُ: هو يؤسسُها وهو يتفقدها ويثبتها. ويتلونُ ثلاثة ألوانٍ: بالأمنيةِ، والجحودِ، والجدلِ، يبدو لصاحبهِ بالأمنية الكاذبة فيما يزينُ لهُ من الشهواتِ فيشجعهُ عليها بأن ذلك سيخفى. فإذا ظهر عليه قابلهُ بالجحودِ والمكابرةِ، فإن أعياهُ ذلك ختم بالجدلِ، فخاصم عن الباطل ووضع لهُ الحجج، والتمس به التثبت وكابر بهِ الحق حتى يكون مسارعاً للضلالةِ ومكابراً بالفواحشِ.

أصول وثمرات
أصلُ العقل التثبتُ، وثمرتهُ السلامة، وأصل الورع القناعةُ، وثمرتهُ الظفرُ، وأصل التوفيقِ العملُ، وثمرتهُ النجحُ.

أغنى الناس وخير ما يؤتى المرء
أغنى الناس أكثرهم إحساناً.
قال رجلٌ لحكيمٍ: ما خيرُ ما يؤتى المرء؟ قال: غريزةُ عقلٍ. قال: فإن لم يكن؟ قال: فتعلمُ علمٍ. قال: فإن حرمهُ؟ قال: صدقُ اللسانِ قال: فإن حرمهُ؟ قال: سكوتٌ طويلٌ. قال: فإن حرمه؟ قال: ميتةٌ عاجلةٌ.


أبذل لصديقك دمك ومالك
ابذل لصديقكَ دمكَ ومالك، ولمعرفتكَ رفدكَ ومحضركَ، وللعامةِ بشركَ وتحننكَ، ولعدوك عدلكَ وإنصافكَ، واضنن بدينكَ وعرضكَ على كل أحدٍ.
لا تنتحل رأي غيرك
إن سمعت من صاحبكَ كلاماً أو رأيتَ منهُ رأياً يعجبُكَ فلا تنتحلهُ تزيناً به عند الناسِ. واكتفِ من التزينِ بأن تجتني الصوابَ إذا سمعتهُ، وتنسبهُ إلى صاحبهِ.
واعلم أن انتمالَك ذلكَ مسخطةُ لصاحبكَ، وأن فيه مع ذلك عاراً وسخفاً.
فإن بلغَ بك ذلكَ أن تشيرَ برأي الرجلِ وتتكلمَ بكلامهِ وهو يسمعُ جمعتَ مع الظلمِ قلةَ الحياء. وهذا من سوء الأدبِ الفاشي في الناسِ.

حبب العلم إلى نفسك
حبب إلى نفسك العلمَ حتى تلزمهُ وتألفهُ، ويكونَ هو لهوكَ ولذتكَ وسلوتكَ وبلغتكَ.
واعلم أن العلم علمانِ: علمٌ للمنافعِ، وعلم لتذكيةِ العقولِ.
وأفشى العلمينِ وأحراهُما أن ينشطَ لهُ صاحبهُ من غيرِ أن يُحض عليه علمُ المنافعِ. وللعلمِ الذي هو ذكاءُ العقولِ وصقالُها وجلاؤها فضيلةُ منزلةٍ عند أهلِ الفضيلةِ والألبابِ.


وإني مخبركَ عن صاحبِ لي كانَ من أعظمِ الناسِ في عيني، وكان رأسُ ما أعظمه في عيني صغر الدنيا في عينهِ: كان خارجاً من سلطانِ بطنهِ، فلا يتشهى ما لا يجدُ، ولا يكثرُ إذا وجدَ. وكان خارجاً من سلطانِ فرجهِ، فلا يدعو إليه ريبةً، ولا يستخف له رأياً ولا بدناً. وكان خارجاً من سلطان لسانهِ، فلا يقولُ ما لا يعلمُ، ولا يُنازعُ في ما يعلمُ. وكان خارجاً من سلطانِ الجهالةِ، فلا يقدمُ أبداً إلا على ثقةٍ بمنفعة.
كان أكثر دهرهِ صامتاً. فإذا نطق بذَّ الناطقينَ.
كان يرى متضاعفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجد فهو الليثُ عادياً.
كان لا يدخلُ في دعوى، ولا يشتركُ في مراءٍ، ولا يدلي بحجةٍ حتى يرى قاضياً عدلاً وشهوداً عدولاً.
وكان لا يلوم أحداً على ما قد يكون العذرُ في مثلهِ حتى يعلمَ ما اعتذارهُ.
وكان لا يشكو وجعاً إلا إلى من يرجو عندهُ البرء.
وكان لا يستشير صاحباً إلى من يرجو عندهُ النصيحةِ.
وكان لا يتبرمُ، ولا يتسخطُ، ولا يشتهى، ولا يتشكى.
وكان لا ينقمُ على الولي، ولا يغفلُ عن العدو، ولا يخص نفسهُ دونَ إخوانهِ بشيءٍ من اهتمامهِ حيلتهِ وقوتهِ.
فعليكَ بهذه الأخلاقِ إن أطقت، ولن تطيق، ولكن أخذ القليلِ خيرٌ من تركِ الجميعِ.
واعلم أن خيرَ طبقاتِ أهل الدنيا طبقةٌ أصفها لكَ: من لم ترتفع عن الوضع ولم تتضع عن الرفيعِ.

الاثنين، 14 يناير 2013

رسالة إلى صديقتي الأعز

رسالة إلى صديقتي الأعز

بسم الله الرحمن الرحيم

صديقتي الأعز: هيام الغالية

كل الحروف عاجزة ، و لم تستطع أن تصوّر لكِ أشواقي .. نعم يا صديقتي: لقد كان الغياب طويلا جدا، و مؤلما جدا... سنون من الانتظار كنت أرتب فيها الجراح على أرفف الذكريات،و كلما انبجست من إحداها الدماء احتضنته وحدي دون وجودكِ معي، لم أعتد غيابك الطويل هذا.. لم اعتد ألا أكتب لكِ الرسائل و التي أوقن أنها لن تجد الحمام الذي ينقلها إليك على جناح الشوق.

أربع سنوات من الصداقة كانت عندي كأربعين سنة بل أكثر .. كنتِ لي أختا و صديقة و قلبا حانياً أفزع إليه عند النوائب.. كنتِ و لن تزالي ملاذي من الخوف و الحزن..

لا أعرف بأي حرف أرسم لكِ حجم أشواقي لكِ .. و ها أنا اليوم أرفع سماعة الهاتف لأتصل بكِ .. كنتُ بين الخوف و الرجاء، و كم أحمده تعالى أن جعلني أسمع صوتكِ الأثير عندي.. أتعرفين ؟؟ لشدة أشواقي لا أعرف ما ذا أقول.و ما ذا أفعل؟! لم أجد غير أوراقي و قلمي، و دموع فرحي أسطر بها رسالة لكِ، 
أتعرفين يا صديقتي الأعز أنني كنت على قاب قوسين أو أدنى من الإقتراب منكِ، نعم ، لقد وجدتُ اسمكِ الرائع مسطورا في دفتر المراجعات لدى طبيبة الأسنان، و أذكر حينها أن الحنين أخذ بيدي إلى أوديته لأشرب من مائه و لا أرتوي.. أذكر أن لساني لم ينطق بحرف، و كم كنت أتمنى أن تطاوعني اللحظة تلك لأسأل عنكِ أكثر، أذكر حينها أن الفرح برؤية اسمك ألجم لساني فعدتُ إلى البيت و بكيتُ ذكرياتنا و أيامنا الرائعة و نحن على مقاعد الدراسة، أيام كنتِ تمسحين دموعي بابتسامتك و كلماتك التي تتسلل إلى روحي و تبثُ فيها الأمل و التفاؤل.لم أنساكِ يا صديقتي و لم يغب وجهك عن أيامي، بل كنتِ معي ، كنتُ أراكِ بعين الخيال، كنتُ أراكِ سعيدة و تضحكين، فكنت ُ لا أملّ من رسم صورتكِ و لا أملّ من الدعاء لكِ، ما زلتُ حتى الآن احتفظ بهديتكِ الغالية ، أتذكرينها؟ تلك التي تنتظر مني أن أملأها بالزهور ليفوح عطرها في أرجاء قلبي قبل منزلي..

أنا اليوم سعيدة بكِ.. سعيدة إلى أبعد حد للفرح.. فاليوم لم يكن كغيره من أيامي، لم يكن حالك الظلمة ، و لم تكن روحي ضائعة تعبث بالذكريات و تحيي مواتها، اليوم عيد عندي و ليس كأي عيد... إنه عيد تحفه البهجة و ترسم خطوطه البسمات الصادقة...

صديقتي الغالية: سيبقى بيننا موعدٌ للقاء، هناك سنلتقي بإذن الله في الجنة ، سيجمعنا الحب في الله و نستظل بعرش الرحمن الرحيم..و لن نعاني من لوعة الفراق مرة أخرى.. كوني على ثقة بأن اللقاء هناك في جنات و نهر عند مليكٍ مقتدر... و السلام.

الأحد، 13 يناير 2013

مما قرأت: الكامل في اللغة و الأدب للمبرد

مما قرأت كتاب الكامل في اللغة و الأدب للمبرد

كتاب أدبي ممتع ،يتجوّل بنا المبرد في عالم اللغة و الأدب ، لنجني قطاف الحكمة من

 الخطب و كلام الحكماء تارة ، و نتلذذ بالأبيات المنوعة  تارة، و أخرى نركب الخيل و

 نجوب ساحات المعارك و خصوصاً مع الخوارج و المهلّب بن أبي صُفرة...


يعتبر الكتاب كنز ثقافي تاريخي منوع يستحق القراءة و التلذذ بما فيه من رقي و

 عذوبة..لا أعرف بما أصفه لأنه كتاب مميز و لن تكفيه عباراتي لمدحه.

قراءة ممتعة أتمناها لكم :)

مختارات من الكتاب:

من أمثال العرب: " مرعى ولا كالسعدان " تفضيلاً له، قال النابغة:
الواهب المائة الأبكار زينها ... سعدان توضح في أو بارها اللبد
ويروى في بعض الحديث " أنه يؤمر بالكافر يوم القيامة فيسحب على حسك السعدان " ، والله أعلم بذلك.
قال أبو الحسن: السعدان: نبت كثير الشوك - كما ذكر أبو العباس - ولا ساق له، إنما هو منفرش على وجه الأرض، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني عن ابن الأعرابي، قال : قيل لرجل من أهل البادية - وخرج عنها : أترجع إلى البادية ؟ فقال: أما ما دام السعدان مستلقياً فلا. يريد أنه لا يرجع إلى البادية أبداً، كما أن السعدان لا يزول عن الاستلقاء أبداً.


يروى عن ابن عمر أنه كان يقول: إنا معشر قريش، كنا نعد الجود و الحلم السودد، ونعد العفاف وإصلاح المال المروءة.

قال الأحنف بن قيس: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزح تذهب المروءة، ومن لزم شيئاً عرف به.

وقيل لعبد الملك بن مروان: ما المروءة؟ فقال: موالاة الأكفاء، ومداجاة الأعداء.
وتأويل المداجاة المداراة؛ أي لا تظهر لهم ما عندك من العداوة، وأصله من الدجى، وهو ما ألبسك الليل من ظلمته.

وقيل لمعاوية: ما المروءة؟ فقال: احتمال الجريرة، وإصلاح أمر العشيرة. فقيل له: وما النبل؟ فقال: الحلم عند الغضب، والعفو عند القدرة.

وحدثت أن أبا بكر رضي الله عنه، ولى يزيد بن أبي سفيان ربعاً من أرباع الشام، فرقي المنبر فتكلم فأرتج عليه، فاستأنف فأرتج عليه، فقطع الخطبة، فقال: سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً، وبعد عي بياناً، وأنتم إلى أميرٍ فعالٍ أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ.
فبلغ كلامه عمرو بن العاص، فقال: هن مخرجاتي من الشام استحساناً لكلامه.

قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك.

قال علي بن أبي طالب رحمه الله : ثلاثة لايعرفون إلا في ثلاث،لا يعرف الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة .

لعبد الله بن معاوية يمدح
وقال عبد الله بن معاوية أيضاٌ:
أنى يكون أخاٌ أو ذا محافظة ... من كنت في غيبه مستشعراٌ وجلا
إذا تغيب لم تبرح تظن به ... سوءاٌ وتسأل عما قال أو فعلا

السبت، 12 يناير 2013

قلعة .. قصة قصيرة

قلعة .. قصة قصيرة
كانت على قمة ذلك الجبل تتأمل القرية بصمت وتعود لتتثاءب وتنام دون أن يوقظها أحد..
مجللة بالغموض، والرعب يرسم ظلال الرهبة على أركانها وأسوارها التي فرّت منها بعض الأحجار..
وفي مساء العيد يخرج ساكنوها بفانوس ينشر الانقباض في قلوب أهل القرية فيكتفون بترديد آية الكرسي والاختباء تحت الأغطية..
لا أحد يقارع ما لا يرُى إلا في الأساطير التي تسردها الجدّات.. قصص جدّتي لها وقع آخر.. كانت تنفث الشجاعة في قلوبنا،
وتختم حكاياتها بعبارة: «من يتوكل على الله يحفظه» كنت في العاشرة والقلعة المهيبة لغز مؤرق.. أصبح فؤادي فارغاً إلا منها..
أجلس وصديقتي في الجبل المقابل كل عشية ثم نفكّر في كسر صمتها وإيقاظ موتاها بخطواتنا.. تصرُّ صديقتي على الرفض وأقسم أنا
على اقتحامها.. وأتى ذلك اليوم، لم تأت صديقتي إلى مكان جلوسنا المعتاد فجلست وحدي أتأملها والفضول بلغ مداه..
ماذا أنتظر؟! أخذت طريق النزول إلى الوادي ثم الصعود إليها.. الطريق الصخري الوعر يهمس لي بالعودة.. أوراق الشجر
تصفق وتصرخ فيّ بالرجوع.. الأشواك الصغيرة تتلقى قدميّ الحافيتين بتحية دموية لتحذرني من إكمال الطريق.. وصلت السور..
الصمت يصمّ الآذان، وأنفاسي اللاهثة تكسره بلحن نشاز. غراب يمرق من بعيد وينعب.. أحملق في الأرض، أفتش عن النمل فلا أجده..
عن ذاك الشوك الذي استوطن القرية فلا أجده.. عن قط كسول يسترخي تحت صخرة أو جوارها فلا أجد.. تملكتني الوحشة
وراحت ترسم لي مصيراً أسود والسور ملاذي منها.. أمدّ يدي اتجاهه فتتسمر.. الخوف يثرثر في أعماقي.. سيمسك بك الجدار،
وستنفتح هوة كبيرة وتبتلعك. ستتعالى ضحكات العفاريت فتصيبك بالجنون.. سيحملونك ويقذفون بك ككرة بشرية.. ستسلّين الموتى هنا..
وربما وضعوك في القدر ورقصوا حولك.. تراجعت قليلاً إلى الوراء أقلّب نظري في الصخور الضخمة التي صعدتها فإذا بها
مليئة بالمغارات المظلمة.. وعاد الخوف يهذي: «العفاريت هنا.. تأملي قليلاً وانتظري.. سترين شيئاً يلمع في الظلام
ثم فجأة يخرج العفريت ويخطفك.. سترين عيوناً فقط تتحدى الظلمة وتشعلها بلون اللهب..». ومن أعماقي أتت عبارة الأمل تطارد
الخوف وتشرق بشمس التحدي: «من يتوكل على الله يحفظه» أعيدها بصوت مرتفع يشعرني بالطمأنينة وأقرأ ما أحفظ من آيات في رأسي..
رأيت صديقتي تضحك وتصفني بالجبانة.. أستجمع فلول نفسي المبعثرة وأضع يدي على السور.. كنت أنتظر أن تُبتر يدي..
أن أطير إلى أعلى.. أن أتلاشى لكن شيئاً لم يحدث.. ركلت مخاوفي واتجهت صوب الباب راكضة.. هناك توقفت لبرهة..
شجرة الطلح حارس بألف خنجر ودمها الصمغي المسفوح على ساقها يصل إلى الأرض كبركة لزجة تصيد ما يعلق بها..
لم أجد مفراً من الانحناء.. بل والسير على أربع وأنا أدفع عن طريقي الشوك حتى دخلت فناءً متوسط الحجم والقلعة رابظة في الوسط..
أحجارها التي ترفعها يعجز عن حملها الرجال.. أذكر أن جدتي حكت لنا أن (العماليق) هم بُناة القلاع والسدود، ولكن الجوع حصد
أرواحهم ومن هاجر منهم في سنوات القحط خبأ الذهب في قلعته وجعل الجن حراساً عليه. أين باب القلعة؟ سألت نفسي وعيناي تبحثان
عنه.. من بعيد لاحت أحجار كثيرة كأنها درج عشوائي تسقط من مكان ما.. ركضت نحوها فوجدت مكان الباب في الأعلى والظلمة تتلصص منه
على الفناء.. صعدت ووقفت على العتبة.. الظلام يتأمل خيطاً من الشمس انسل إليه.. رائحة المكان غريبة.. لا صوت غير ضربات قلب
متسارعة تقرع طبلة أذني.. الفضول زيّن لي الأمر.. كان يدعوني بشوق لأكتشف المكان.. سيكون مثيراً أن أحكي لصديقاتي عن القلعة
وعن مغامرتي.. ستكون هناك حكاية تستحق السماع.. اقتحمت الظلمة والتصقت بالجدار أتلمسه وأتخذه دليلاً..
أقدامي تدوس على الحصى وأعواد صغيرة.. شعرت بأن دهراً مضى وأنا لم أصل للزاوية بعد.. خيط النور يهمس: اطمئني..
أصل إلى الزاوية أخيراً وأتجه وأكمل في شوق وخطواتي بدت أسرع.. وأضع قدمي على شيء ما.. فأرجعها سريعاً إلا أن صرخة
ألم كانت أسرع.. اندفعت للباب، تركت دليلي وركضت.. تقافزت العفاريت إلى مخيلتي.. كل ذرة في جسمي تطلب الباب..
أغادر القلعة.. أواصل الفرار.. الشوك.. الصخور.. أنفاسي اللاهثة.. جسدي المتشظي.. كل شيء يتطاير بسرعة رهيبة..
السور خلفي.. المغاوير تفتح أفواهها.. الغراب ينعق قريباً مني.. وأخيراً أسقط في بطن الوادي ألتقط أنفاسي.. أنفض الألم..
الدم يتسلل من أماكن شتى.. شوكة طلح في ذراعي.. ولا شيء غير الألم.. التفتُ نحو القلعة والصرخة تتردد بحدة في أذني..
أهمس لنفسي: «كانت قطة لا تخافي» وعلى صخرة قريبة من السور كانت قطة سوداء تنظر نحوي وقد أحنت ظهرها وكأنها ستنقض على عدو..
لم أتمالك نفسي.. صرخت برعب: «قطة سوداء؟!.. إنها ...» لم أكمل نزع الألم بعد.. عليَّ الفرار بسرعة.. بسرعة..


انتهت.
سبق و نُشِرت في المجلة العربية و في عدّة منتديات.

الجمعة، 11 يناير 2013

آخر أوراقي...


آخر أوراقي...

اليوم سأكتبُ لكِ آخر أوراقي!أعلمُ تماماً أن رسائلي لا تروق لكِ، لكني مملّة و لا أكفّ عن مضايقتكِ! .. لا عليكِ ، فلن أُبكي قلمي على صدر هذا الورق لتبكِ عيناكِ، فما عادتْ دموع الأقلام تُطربني.. كعادتي كلما خططتُ لكِ مكتوباً أبعثرُ الكلمات بلا معنى..اِعتدتُ على الكتابة لكِ بلا حواجز أو زخارف ترمم لوحاتي الذابلة.. أيُّ وجهٍ أكتُبُ لكِ عنهُ اليوم؟! لا أدري، سأحاول أن أخلع عباءة الفلسفة أو السفسطة عن ظهري الأحدب ، أدّعي الحكمة كما يزعمون!! لا أعرفُ من اختار لي اسم "عجوز حكيمة في العشرين" ربما أفّاق أراد تزييف الحقيقة بكذبةٍ مكشوفة!! .. يوماً ما ، نفضتُ عن رأسي المتصدع غبار الزمن الرديء ، لم يكن لي ذنبٌ أن وقع الغبار الرمادي على رأسي، كُنتُ طفلة أستحم بالمطر تحت مزاريب المنازل!! و كانت أمي تُخبيء رأسها تحت أوراقٍ ناصعة الخضرة من شجر الريحان!! ..و كبرتُ و الرمالُ تنمو على رأسي لأغدو عجوزاً مع مرور الزمن و الحكمة تتوجني!! .. أعلمُ أنكِ تضحكين ساخرة من كل ما كتبتُ ، و لكنكِ مع ذلك تبقين الغالية! ألا تعرفين الغالية ما تكون؟! ستمطين شفتيكِ باستياء و تتذمرين قائلة:جاءت الفيلسوفة تتفلسف! أحترم غضبكِ كثيراً لذلك لن أُجيب على سؤالي. أتذكّر يوماً أنكِ ابتسمتِ في وجهي بصدق! لا أخشى غضبكِ من كلمتي "بصدق" فأنتِ كما يقول قلبي لا تثقين حتى في بعض المُسلّمات البسيطة.. أتخافين من الحقيقة التي وضعتِها في قلبكِ و آمنتِ بها، و قد لا تكون هي الحقيقة ذاتها؟!لا عليكِ، سامحيني، فقد يكون قلمي سليطاً في بعض الأوقات لذلك سأقطعهُ الآن.
قبل الرحيل، لم أشأ أن أبكي و لا أن أضحك.. سأقولُ لكِ بلا خجل أو بكل ثقةٍ و صدق: أحبّكِ ، لا لشيء إلاّ لأنّكِ تستحقين من كل من تعرفين الحب. أحبكِ رغماً عنكِ و كفى!.

الخميس، 10 يناير 2013

مما قرأت: رواية السجينة لمليكة أوفقير..و ميشيل فيتوسي .. ترجمة:غادة موسى الحسيني..


قراءة في
رواية السجينة لمليكة أوفقير..و ميشيل فيتوسي .. ترجمة:غادة موسى الحسيني..

رواية تختزل الظلم و المعاناة و مكابدة وعثاء السجن في حروف تنضح بالمرارة و الألم.
ترسم مليكة صورة قاسية لما عانته مع عائلتها في السجن على مدى خمسة عشر سنة  .. من المياه العكرة إلى الخبز الناشف و الصراصير والجرذان و الفئران و جو الرطوبة الخانق..
عاشت مليكة سنيّ حياتها الأولى في بيت الملك الحسن الثاني مع الأميرة للا مينا ، حيث عاشت كالأميرات تلبس أحدث الموديلات ، و تأكل أشهى الأطباق، و تتعلم الفرنسية و العربية و شيئا من الألمانية، كانت لا تكف عن عمل المقالب و إضحاك الآخرين، و في غمرة ذلك لم تنسَ عائلتها الأصلية والدها محمد أوفقير الذي كان قريباً من الملك، و أمها فاطمة التي كانت ذات مكانة في المجتمع، و إخوتها الذين كبروا و هي في القصر بعيدة عنهم.
ثم شاء محمد أوفقير أن ينظم انقلابا على الملك ففشل و قُتل بخمس رصاصات، و هنا تبدأ مأساة عائلته التي أُخذت بذنبه ففُرض عليهم السجن لخمسة عشر عاماً قاست فيها العائلة الويلات، حيثُ حُرموا من أبسط مقومات الحياة فلم يكن الطعام كافياً،و كانت الخضروات متعفنة ، و الجرذان و الصراصير تجوب الزنزانات ، كما حُرِموا من اللقاء مع بعضهم البعض.. كان السجن قاسياً و خصوصاً على الصغير الذي دخله و له من العمر سنتين.. كانت مليكة تقوم بدور شهرزاد فتقص الحكايات عليهم و تكسر من رتابة الحياة الخانقة.. ثم حاولوا ذات مرّة الانتحار لكن المحاولة فشلتْ، ثم فكروا في الهرب من السجن.. و بدأت مليكة في الحفر بملعقة و غطاء علبة سردين حتى نجحت المحاولة و فرّت مليكة مع رؤوف و عبد اللطيف و ماريا .. و بعد أحداث مريرة تم إطلاق بقية أفراد العائلة و لكنهم لم ينجحوا في التحرر و نيل الحرية بل بقيت العائلة رهن الإقامة الجبرية لخمس سنوات ثم أصبحوا أحراراً و لهم الحق في السفر و تحقيق ما بقي لهم من أمنيات..
الرواية تأخذنا إلى عالم بائس حزين يؤطرهُ الظلم و الطغيان.. عاشت العائلة محجوزة عن الحياة لعشرين سنة بلا ذنب إلا أنهم أبناء أوفقير.. تُرى كيف يكون وقع السجن بكل ما فيه من مرارة و قسوة على نفس طفل صغير كعبد اللطيف؟! و كيف لنساءٍ ضعيفات أن يُجابهن السجن و لوعته كل هذه السنين؟!
رواية تصوّر الإنسان في ضعفه و قلة حيلته إزاء الظلم و القسوة، ترسم الرواية عالماً مأساوياً ناضلتْ فيه عائلة أوفقير حتى آخر ذرة من الأمل..
تجربة السجن تركتْ أثرها جليّا على أجساد العائلة حيث لاحت أجسادهم التي عانت الجوع كهياكل عظمية و بدتْ عيونهم غائرة حزينة.. كانت العائلة تتحاشى النظر إلى المرآة حتى لا تُفجعُ في ذاتها التي سُرقتْ منها الأحلام و الأمان و حق الحياة على مدى عشرين عاماً.
أجادت الكاتبة في نقل صورة معبرة مأساوية عن مرارة السجن و وقعه على أفراد العائلة، كانت لغة الرواية سهلة و واضحة  ترسم الأحداث بدقة متناهية و وصف مسترسل يلفهُ جو من الحزن و الألم.
رواية جديرة بالقراءة و التأمل لما لها من بُعد إنساني و تجربة تستحق التوقف أمامها و الإشادة بروح التحدي و الإصرار على الحياة الكريمة رغم كل شيء .  

مختارات مما أعجبني في الرواية:

 ( الأخوة عاطفة و إحساس و ليست فقط علماً و خبراً)
(الصحراء تُعلّم التصحر)
(تعلمت أن الحنين مدمّر و قاتل)
(كل شيء يمضي و يمر إلا أن يكون عدوك جزءا لا يتجزأ منك، و تلك هي المصيبة و الهزيمة)
(الحرية زائد الأمل تساوي الحياة،العبودية زائد اليأس تساوي الفراغ و العدم)
(من الصعب بمكان رؤية طفل جائع أو مكتئب أنه منظر فظيع تقشعر له الأبدان )
(تباً للجوع و سحقاً له! كم يذل الإنسان و يحط من قدره، إنه ينسيك أهلك،و عائلتك، و أصدقاءك، و يجرّدك من كل قيمك و مبادئك،
و ينتزع منك كرامتك و إنسانيتك، إذ يحولك إلى وحش بشري لا يأتمر إلا بغريزته...)
( إن التجربة التي خضتها داخل السجن كانت أغنى ألف مرة من تجارب آخرين خارجه. لقد اختبرت الوجه الآخر للحياة
من ألم وخوف، ورعب، ومعاناة، وجوع، وبرد.. تعلمت ماذا تعني الحياة وماذا يعني الموت. وتأملت ملياً في الخلق والكون.
واكتشفت نفسي ومن أكون وأيضاً ما أكون.. علمني السجن أن الأنسان اقوى من الظلم والقهر والطغيان والحرمان والتعذيب والمستحيل.)
( إن الكراهية تنهش الروح.. وتضعضع الجسد.. إنها لا تجدي نفعاً، ولن تعيد إلى الذي مضى.. ولا عمري الذي ضاع سدى..
 ولن تعوض خسائر عائلتي، ولن تبلسم جراح أمي وإخوتي.. الكراهية مدمرة...
قاتلة..فتاكة.. ونحن نريد أن نحيا بسلام هذه السنوات المعدودة.. وقبل فوات الأوان)


الأربعاء، 9 يناير 2013

نشيد يا ليل نديمك ذو شجن..

يا ليل نديمك ذو شجن،،
لكل أحبتي : شريفة ، عائشة ، هيام ، بسمة عيسى ، أبرار عبد الله ، نسائم المحبة ، رائحة المطر ، القمر ، جليلة ، هدى عبد العزيز ، المها ، صدى التقوى ، و لكل أحبتي  أُهدي هذا النشيد :http://live.islamweb.net/Anasheed/150271/3653604.mp3

ظّلٌّ على باب


ظلٌ على باب...


أَغلِقيهِ ..
كل بابٍ جئتُكِ منهُ أغلقيهْ ..
 أقفليهِ بالسلاسلِ و المتاريسِ حتى تُحكِميهْ..
 أغلقيهْ...
ربما امتدتْ يديّ نحوهُ ،
 أو ناداكِ قلبي راجياً أن تفتحيه.
.أغلقيهْ... تلك بالبابِ بقايا من حطامْ
.. هدّها الجرحُ فجاءتْ ..
 ربما كُنتِ ملاذاً للحُطام ..
 و قلباً يحتويهْ، أو كُنتِ تجمعيهْ ..
أغلقيهْ...
 تلكَ بالباب سرابٌ ضائعٌ لن تُمسكيه..
أو تفهميهْ...
 أغلقي كل النوافذِ و الشبابيكِ و قولي:
 لستُ مرسىً للغروبِ..
 و اطرديهْ...
 أغلقيهِ..
 و اتركيهِ..
 ذلك الظّلُّ الذي أدمنَ القرعَ على
 أبوابِ قلبكِ اتركيهِ..
 أنتِ يا مَنْ كُنتِ يوماً في حياةِ الظّلّ قلباً و الحياةْ..
 كُنتِ أنتِ في حياةِ الظّلِّ فجراً باسماً
 و لا ..
 لن تُرجعيهِ..
 اِرحميهِ أو لا ترحميهِ..
 سِيّانَ عند الظّلّ حُبُّكِ ..
 بل ..
 سامحيهِ..
 و اِكرهيهِ..
.و اِمسحيهِ من نقاءِ القلبِ
 لا يبقى ذكرى
 تنزوي فيها الظّلال..
أغلقيهِ البابَ في وجهي
 أغلقيه...

كُتِبتْ سنة 1425هـ و نُشرتْ في المجلة العربية:)

الثلاثاء، 8 يناير 2013

نقد لقصيدة أغنيات الفقد لسلطان السبهان

نقد لقصيدة أغنيات الفقد لسلطان السبهان

القصيدة هي:
أغنياتُ الفَقْد

سلطان السبهان

[مدخل]
"لا أكذب اللهَ، ثوب الصبر منخرقٌ
عني بفُرْقته..لكن أرَقِّعُه".. ابن زريق البغدادي

سارٍ, ويحملُ في أجفانِهِ أرَقَهْ
وعينُكِ الليلة الممتدّةُ القـَلِقَةْ

سافرتُها والتفاتُ اليأسِ يُفزِعني
فكلما ذُبتُ شوقاً مَدّ لي عُنُقَه

وعُدتُ كالبدْوِ لا غيمٌ يضاحِكُهُم
كُبودُهمْ من ظما الأسفارِ محترِقةْ

أُعيذ قلبَكِ من ذكرىً تؤرِّقهُ
أُعيذه من حنيني بالذي خلَقَهْ

أٌعيذ عينَكِ من وصلٍ يكدِّرُها
إن مدّد البرْدُ في أرواحِنا قَلَقـَهْ

نَحَتـْكِ عني المقاديرُ التي كُتِبَت
فحلّة الصبرِ – مهما جُدتُ – منخرِقةْ

في ذمةِ اللهِ يا طيفاً تـَضاحكَ لي
فضاعِ عمريَ في ضِحكاتِهِ سَرِقـَةْ

ريحانة كلـَّفتـْني أن أطيرَ لهــا
روحاً لأسكُنَ من أفْقِ الهوى أفـُقهْ

تجيءُ تسرَحُ أسرابُ البلابلِ في
صدريْ, وتسْكَرُ في أحلامِها النزِقةْ

تغيبُ تَسْكُنُ في الموّالِ بَسْمَتُها
إنْ جرّهُ عاشِقٌ أضناهُ مَن عَشِقهْ

أبكِيْ الصِّبا الحُلوَ في غصْنِ تَميسُ بهِ
لم يَبْقَ منهُ لِعَيْنِ الصبِّ من وَرَقـةْ

كل الذي كانَ..أن الموتَ باغَتـَنا
وأطفأَ الحظُّ فيما بينَنا طُرُقـَهْ

كل الذي كان.. أن الغربةَ انتبهَتْ
والليلُ ذَرَ على أجفانِنا غسَقـَهْ

والشيبُ أدركَ أشعاريْ فأعجزَني
نَصٌّ يُحَدِّثُني عن صورةٍ ألِقــَةْ

في ذمةِ الله يا من جئتُ أبحثُ عن
نفسيْ فصادفـْـتـُها في غيمَةٍ ودِقَةْ

مضَت – لها الله – نحوَ اللهِ وابتدأتْ
قصائدٌ من حنينٍ تبعثُ الشفـَقـَةْ

يا للشتا..كلما النسيانُ أدفأنيْ
أرخى ذراعيْهِ للنسيانِ واعتـنَـقهْ

في ذمة الله يا روحاً سَموتُ بها
وأولُ اسمٍ فؤاديْ في الهوى نطـَقـَهْ

في ذمة الله يا كوناً يعيشُ معي
والناسُ تحسبُهُ سطراً على ورَقةْ


[مخرج]
هل كنتُ أخرجُ لو ملكتُ خلاصا !!

النقد
أغنيات الفقد، عنوان يقودنا لنص تملؤه الفجيعة والفقد والألم، والعنوان مكوّن من كلمتين :أغنيات، والفقد، فهل للفقد أغنيات؟!
لندخل إلى النص ونرى لِمَ الفقد يتربع على العنوان كمارد للحزن والشجن، ولنرى هل وُفِقَ الشاعر في اختيار عنوانه للنص أم لا ؟

مدخل:
يفاجئنا الشاعر بمدخل للنص، وهو بيت لابن زريق البغدادي من يتيمته المشهورة ( لا تعذليه فإن العذل يوجعه...) والبيت المُختار من القصيدة ( لا أكذب الله ثوب الصبر منخرق / عنّي بفرقتهِ لكن أُرقِعُهُ ) بيتٌ يصوّر عظيم الفقد وعدم القدرة على الصبر فالشاعر يحاول ترقيع ثوب الصبر المشقوق بالفراق ... وهكذا نجد هذا البيت يتماهى مع العنوان في معاني الفراق والفقد.

النص: 
يبدأ الشاعر نصّه بقوله: ( سارٍ ويحملُ في أجفانه أرقه / وعينُكِ الليلة الممتدة القلقةْ ) 
سارٍ: اسم من السُّرى في الليل وهذا يتناسب مع الفقد والفراق فهو يحمل معنى الظلمة والليل والتعب والعذاب، فهو أي الشاعر سارٍ ويحمل في أجفانه أرقه وأتى بـ (أرقه ) لتتناسب مع الاسم ( سارٍ) فالأرق مرتبط بالقلق والعذاب فلا ينام الليل لتعبه وقلقه..سارٍ الإسم يحمل معنى الثبات فكأن الشاعر دائم السرى في رحلة الفقد هذه التي تحدث عنها النص.
فالشاعر يقول عن نفسه بأنه كسارٍ في ليل طويل يحفّهُ القلق والعذاب وهو مع السُّرى والتعب يحمل في أجفانه قلقهُ وعذابه .. والليلة مظلمة طويلة مليئة بالتعب والعذاب، وعبّر عن قضائه لهذه الليلة الطويلة القلِقة بالسّفر فقال: ( سافرتُها...) أي قطعتها كمن هو مسافر، ومعروف ما في السفر من التعب والمشقة فجاء تعبيره ب(سافرتُها) متلائما مع الليلة الطويلة القلقة التي قضاها.

ثم قال: ( ... والتفات اليأس يفزعني/ فكلما ذُبتُ شوقاً مدّ لي عُنُقهْ) 
وهنا شبه اليأس بإنسان أو نقول هنا عَمد إلى التشخيص فكأن اليأس شخصٌ يتربصُ بالشاعر ليخيفه ، فكلما أذابهُ الشوق مَدّ له عُنقَهُ مذكِراً إياه بعظيم فقده وأن أشواقهُ لن تبرد بلقاءٍ يطفئ جمرها، وقوله ( مدّ لي عنقه) في اختيار العنق كناية عن شِدّة بأس هذا اليأس في حياة الشاعر حيث أن مدّ العنق أقوى وأشد تأثيرًا من الإشارة باليد مثلا.. وهذه صورةٌ أبدع الشاعر في صياغتها وتنسجم مع مطلع القصيدة.

ثم قال: ( وعُدتُ كالبدو لاغيمٌ يضاحكهم/ كبودهم من ظما الأسفار محترقةْ) 
يتحدث الشاعر عن نفسه ويقول:
بعد هذا القلق واليأس عدتُ كالبدو في حال انتظارهم الغيث بينما الغيم وهو السحاب بدون مطر لم يضحك لهم ليستبشروا به فالموسم موسم جفاف وهؤلاء البدو ليس لهم بعد الله إلا التعلق بالأسفار من مكان إلى آخر لعلّ الغيث يهطل ، وتعبير الشاعر بقوله ( كبودهم من ظما الأسفار محترقةْ) فيه كناية عن عظيم المشقة التي يتكبدها البدو في ترحالهم وبالتالي فالشاعر في أسوأ حال وكأن الجدب والشقاء غطّت أركان حياته. ثم انتقل الشاعر من حال الأرق الطويل والسفر المُضني إلى حال آخر حيث أخذ يتصوّر المحبوبة أمام عينيه فلم يكن منه إلا مخاطبتها في الأبيات القادمة فقال:
( أُعيذُ قلبكِ من ذكرى تؤرقهُ/ أُعيذُهُ من حنيني بالذي خلقَهْ%أُعيذُ عينكِ من وصلٍ يُكدّرُها/إنْ مدّد البردُ في أرواحنا قلقَهْ)
يلجأ الشاعر إلى الله تعالى ويسأله أن يحمي قلب المحبوبة من كل ذكرى تعذبه وتُقلقهُ ، وأن يحمي الله قلبها من حنين جارف يكنّه الشاعر لها.
ثم يقول أُعيذُ عينكِ من وصلٍ يُكدرها ..إن مدّد البرد في أرواحنا قلقهْ ، وهنا كأن البرد يملكُ من أمره شيئا فها هو يمدّد قلقه بين أرواح المُتحَابَين لذلك فالشاعر لجأ إلى الرقية والتعوذ بالله من كل همّ يصيب محبوبته.ثم يُخاطب المحبوبة المفقودة بقوله:
( نَحتْكِ عنّي المقادير التي كُتِبَتْ/فحُلة الصبرِ مهما جدتُ مُنخَرِقةْ)
وبعد أن أعاذ المحبوبة من حنينه وشوقه ومن أكدار الدنيا يخبرنا الشاعر عن حاله مع محبوبته فالمقادير التي لا حيلة لأحد في تغييرها نَحَتْ هذه المحبوبة وأبعدتها عن دنيا شاعرنا الذي حاول أن يرتدي رداء الصبر كما حاول قبله (ابن زريق) فإذا برداء الصبر وحلته مشقوقة فلا صبر يُغيّر ما كتبته المقادير، ثم بيّن في البيت الذي بعده لِمَ حُلة الصبر منخرقة فقال: 
( في ذمة الله يا طيفاً تَضَاحكَ لي/ فضاع عمري في ضحكاته سَرِقةْ) 
فالمحبوبة رحلت إلى حيث لا عودة فهي في ذمة الله ، ثم وصفها ب(طيفا تضاحك لي) بأنها كخيال ضاحك مرّ في حياته ولم يكن مروره عاديّا بل أن عمر الشاعر وأيامه ضاعت في ضحكات هذا الطيف الذي سرقه من نفسه.
ثم قال: ( ريحانةً كلّفتني أن أطير لها / روحاً لأسكُنَ في أُفقِ الهوى أُفُقَهْ)
يصف محبوبته الفقيدة بأنها كالريحانة في طيب المظهر وجمال الرائحة التي كلّفته أن يطير لها روحاً ليسكن أعلى قمم الهوى والحب بل ليسكن من القمة أعلاها وأشرفها، وعبّر بالطيران كناية عن سرعة وصله لها، كما أن التعبير بالطيران يتناسب مع الروح وخفّتها ومع الطّيف و سرعته.

ثم قال: (تجيء تسرحُ أسرابُ البلابلِ في/صدري وتسكرُ في أحلامها النزِقةْ%تغيب، تسكنُ في الموّال بسمتها/إنْ جرّهُ عاشِقٌ أضناهُ من عَشِقَهْ)
وهنا يصفُ أحوالهُ مع محبوبته، فمجيئها ينثر الفرح في صدره كما تنثر البلابل أغنياتها العذبة وهنا شبه مجيئها بمجيء أسراب البلابل، وذكر البلابل دون غيرها من الطيور لحسن صوتها وجمال شكلها، وقوله ( وتسكر في أحلامها النزقة) أي أن مجيئها كتحقق الأمنيات حتى المبالغ فيها من الأحلام تصبح كأنها موجودة ، أما عندما تغيب فتسكن في الموال بسمتها، واختار الموّال لارتباطه بالشجن والحزن والغياب، وهذا الموّال إنْ جرّه عاشق وغنّاه أشقى كل محبوب وأوجعه وهذا كناية عن شدة تعبه وعذابه عند غياب محبوبته عنه.

ثم قال: (أبكي الصِّبا الحلو في غصنٍ تميسُ به/لم يبقَ منه لعين الصّبّ من ورقهْ)
يبكي شاعرنا صِّبا محبوبته الراحلة التي رحلتْ وهي في أوج صباها وزهرة شبابها وشبه صباها بالغصن الذي كانت تتباهى به محبوبته فإذا به الآن بيد الموت الذي قطف أوراقه ولم يُبْقِ لشاعرنا العاشق ولو ورقة واحدة. ثم قال: (كل الذي كان أنّ الموتَ باغتنا/و أطفأ الحظ فيما بيننا طُرُقَهْ%كلّ الذي كان أنّ الغربة انتبهتْ/و الليلُ ذرّ على أجفاننا غَسَقَهْ%و الشيبُ أدركَ أشعاري فأعجزني/نَصٌ يُحدثني عن صورةٍ ألِقَهْ) بلغة مرّة ساخرة يقول بأن الموت لم يفعل شيئا سوى أنه باغت المحبوبين على حين غرّة فسلب الشاعر محبوبته بينما الحظ أطفأ طرقه وتاه عنهما و تركهما للموت والوحشة. 
وفي ( باغتنا ) معنى المفاجأة التي حطّت على حياة المتحابَين كالصاعقة، فلم يكن للموت مقدمات تهيئ النفس لتقبله بل أتى فجأة وسرق المحبوبة، ونور الحظ غاب عن حياتهما فتسلل الظلام خلف الموت ليسكن حياة الشاعر، وكذلك لم تفعل الغربة شيئا سوى أنها كانت نائمة فاستيقظت لتفرّق بينهما، وأتى الليل أيضا يحمل بيده الظلمة والوحشة والخوف فينثرها في عينيهما، والحقيقة أن الليل والغربة والموت. 
{وكلها رموز للوحشة والخوف والوحدة} أتت جميعا لتسلب الشاعر محبوبته فكأنها سلبته حياته وتركته بائسا حزينا لا صبر يتجمّل به ولا عزاء له حتى شعره الذي يكتبه أصابه الشيب والوهن والضعف فلم يعد قادرا على كتابة نص متألق نابض بالحياة. 

ثم قال: ( في ذمة الله يا من جئتُ أبحثُ عن/ نفسي، فصادفتها في غيمةٍ وَدِقَهْ%مضتْ لها الله نحو الله و ابتدأتْ/قصائدٌ من حنينٍ تبعث الشفقةْ) يودّع الشاعر محبوبته ويُصوّر حزنه وأساه فيقول في كنف الله وجواره يا من جئتُ إليها أبحث فيها عن نفسي فصادفتها في غيمة تهطل حزنا وأسى،والمصادفة هنا كانت صادمة للشاعر الذي ظن أنه سيكون في أحسن حال فإذا بحياته تتحول إلى عذاب وحزن،
ثم قال مضت لها الله نحو الله وابتدأت في حياة الشاعر قصائد ينسجها الحنين وتأسر القلوب المشفقة على حاله وما أصابه.

ثم قال: ( يا للشتا، كلما النسيان أدفأني / أرخى ذراعيه للنسيان و اعتنقه ) 
يا للشتاء ما أقساه على شاعرنا الذي اتخذ النسيان مدفأة له من أحزانه ووحشة حياته وبؤسه فإذا بالشتاء يأتي مرخيا ذراعيه للنسيان فيعتنقه ويطفئ حرارته لتعود للأيام وحشتها وبرودتها وقسوتها، وفي اختيار لفظ ( الشتاء) وما فيه من برودة وقسوة تناسب مع معاني الفقد التي في القصيدة.
كما أن الشاعر رسم صورة شعرية رائعة في تشبيهه النسيان بالمدفأة ، وفي فِعل الشتاء من اعتناق للنسيان الذي كان يسلي الشاعر ويخفف عنه فإذا بالشتاء يعتنقه و يجدد وحشته ووحدته.

ثم قال: ( في ذمة الله يا روحا سَموتُ بها / وأول اسم فؤادي في الهوى نطقه % في ذمة الله يا كوناً يعيش معي / و الناس تحسبه سطراً على ورقةْ)
يعود الشاعر إلى بكائه على محبوبته ووداعه لها فيكرر ( في ذمة الله ) وهي تحمل معنى الدعاء أن تكون في جوار الله مرحومة مغفورا لها، ( يا روحا سموتُ بها) فقد كانت كالروح لشاعرنا الذي ارتقى بحبها كما قال سابقا وسكن من أفق الهوى أفقه، كما أنها أول حب عاشه الشاعر( و أول اسم فؤادي في الهوى نطقهْ) لذلك لها مكانتها العظيمة في نفس شاعرنا العاشق.
ثم يكرر( في ذمة الله) مرة أخرى و يقول: ( في ذمة الله يا كوناً يعيش معي / والناس تحسبهُ سطراً على ورقهْ) الفقيدة كونٌ بأكمله في نظر الشاعر يعيش معه لحظاته بينما يظنها الناس سطرا صغيرا على ورقة الحياة، وهنا يبيّن لنا الشاعر عظيم قدر محبوبته ومكانتها عنده فهي الروح وأول حب وهي كون بأكمله لذلك هي تستحق أن يكتب فيها القصائد والأغنيات التي تعبير عن عميق حزنه على فقدها.

مخرج
{ هل كنتُ أخرجُ لو ملكتُ خلاصا} تساؤل مرّ يكتبه الشاعر كمخرج لنصه ولا مخرج له من حزنه ومعاناة فقده، فله الله !

البناء الفني للنص:
أحكم الشاعر بناء قصيدته في أبيات متسلسلة ومترابطة تحكمها فكرة الفقد وعظيم أثرها على الشاعر الذي أحسن التعبير عن عاطفته في صدق وإجادة، كما أن النص انفرد بصور شعرية باهرة ( كبودهم من ظما الأسفار محترقة، يا للشتا كلما النسيان أدفأني، تجيء تسرح أسراب البلابل ....)
ساهمت في الإرتقاء بالنص وتميزه على مستوى الصور الشعرية كما تميّز على مستوى اختيار المفردات وصياغتها في تراكيب منوعة تخدم الفكرة التي يدور حولها النص. وفي اختيار الشاعر لبحر البسيط وما فيه من السلاسة والعذوبة ذكاء من الشاعر كما أن قوافيه تتناسب مع روح النص وما فيه من قلق وفقد. كما كان عنوان النص عتبة موفقة للدخول إلى نص جميل ينضح بالفقد والوجع.

هذا و الله أعلم.