الخميس، 10 يناير 2013

مما قرأت: رواية السجينة لمليكة أوفقير..و ميشيل فيتوسي .. ترجمة:غادة موسى الحسيني..


قراءة في
رواية السجينة لمليكة أوفقير..و ميشيل فيتوسي .. ترجمة:غادة موسى الحسيني..

رواية تختزل الظلم و المعاناة و مكابدة وعثاء السجن في حروف تنضح بالمرارة و الألم.
ترسم مليكة صورة قاسية لما عانته مع عائلتها في السجن على مدى خمسة عشر سنة  .. من المياه العكرة إلى الخبز الناشف و الصراصير والجرذان و الفئران و جو الرطوبة الخانق..
عاشت مليكة سنيّ حياتها الأولى في بيت الملك الحسن الثاني مع الأميرة للا مينا ، حيث عاشت كالأميرات تلبس أحدث الموديلات ، و تأكل أشهى الأطباق، و تتعلم الفرنسية و العربية و شيئا من الألمانية، كانت لا تكف عن عمل المقالب و إضحاك الآخرين، و في غمرة ذلك لم تنسَ عائلتها الأصلية والدها محمد أوفقير الذي كان قريباً من الملك، و أمها فاطمة التي كانت ذات مكانة في المجتمع، و إخوتها الذين كبروا و هي في القصر بعيدة عنهم.
ثم شاء محمد أوفقير أن ينظم انقلابا على الملك ففشل و قُتل بخمس رصاصات، و هنا تبدأ مأساة عائلته التي أُخذت بذنبه ففُرض عليهم السجن لخمسة عشر عاماً قاست فيها العائلة الويلات، حيثُ حُرموا من أبسط مقومات الحياة فلم يكن الطعام كافياً،و كانت الخضروات متعفنة ، و الجرذان و الصراصير تجوب الزنزانات ، كما حُرِموا من اللقاء مع بعضهم البعض.. كان السجن قاسياً و خصوصاً على الصغير الذي دخله و له من العمر سنتين.. كانت مليكة تقوم بدور شهرزاد فتقص الحكايات عليهم و تكسر من رتابة الحياة الخانقة.. ثم حاولوا ذات مرّة الانتحار لكن المحاولة فشلتْ، ثم فكروا في الهرب من السجن.. و بدأت مليكة في الحفر بملعقة و غطاء علبة سردين حتى نجحت المحاولة و فرّت مليكة مع رؤوف و عبد اللطيف و ماريا .. و بعد أحداث مريرة تم إطلاق بقية أفراد العائلة و لكنهم لم ينجحوا في التحرر و نيل الحرية بل بقيت العائلة رهن الإقامة الجبرية لخمس سنوات ثم أصبحوا أحراراً و لهم الحق في السفر و تحقيق ما بقي لهم من أمنيات..
الرواية تأخذنا إلى عالم بائس حزين يؤطرهُ الظلم و الطغيان.. عاشت العائلة محجوزة عن الحياة لعشرين سنة بلا ذنب إلا أنهم أبناء أوفقير.. تُرى كيف يكون وقع السجن بكل ما فيه من مرارة و قسوة على نفس طفل صغير كعبد اللطيف؟! و كيف لنساءٍ ضعيفات أن يُجابهن السجن و لوعته كل هذه السنين؟!
رواية تصوّر الإنسان في ضعفه و قلة حيلته إزاء الظلم و القسوة، ترسم الرواية عالماً مأساوياً ناضلتْ فيه عائلة أوفقير حتى آخر ذرة من الأمل..
تجربة السجن تركتْ أثرها جليّا على أجساد العائلة حيث لاحت أجسادهم التي عانت الجوع كهياكل عظمية و بدتْ عيونهم غائرة حزينة.. كانت العائلة تتحاشى النظر إلى المرآة حتى لا تُفجعُ في ذاتها التي سُرقتْ منها الأحلام و الأمان و حق الحياة على مدى عشرين عاماً.
أجادت الكاتبة في نقل صورة معبرة مأساوية عن مرارة السجن و وقعه على أفراد العائلة، كانت لغة الرواية سهلة و واضحة  ترسم الأحداث بدقة متناهية و وصف مسترسل يلفهُ جو من الحزن و الألم.
رواية جديرة بالقراءة و التأمل لما لها من بُعد إنساني و تجربة تستحق التوقف أمامها و الإشادة بروح التحدي و الإصرار على الحياة الكريمة رغم كل شيء .  

مختارات مما أعجبني في الرواية:

 ( الأخوة عاطفة و إحساس و ليست فقط علماً و خبراً)
(الصحراء تُعلّم التصحر)
(تعلمت أن الحنين مدمّر و قاتل)
(كل شيء يمضي و يمر إلا أن يكون عدوك جزءا لا يتجزأ منك، و تلك هي المصيبة و الهزيمة)
(الحرية زائد الأمل تساوي الحياة،العبودية زائد اليأس تساوي الفراغ و العدم)
(من الصعب بمكان رؤية طفل جائع أو مكتئب أنه منظر فظيع تقشعر له الأبدان )
(تباً للجوع و سحقاً له! كم يذل الإنسان و يحط من قدره، إنه ينسيك أهلك،و عائلتك، و أصدقاءك، و يجرّدك من كل قيمك و مبادئك،
و ينتزع منك كرامتك و إنسانيتك، إذ يحولك إلى وحش بشري لا يأتمر إلا بغريزته...)
( إن التجربة التي خضتها داخل السجن كانت أغنى ألف مرة من تجارب آخرين خارجه. لقد اختبرت الوجه الآخر للحياة
من ألم وخوف، ورعب، ومعاناة، وجوع، وبرد.. تعلمت ماذا تعني الحياة وماذا يعني الموت. وتأملت ملياً في الخلق والكون.
واكتشفت نفسي ومن أكون وأيضاً ما أكون.. علمني السجن أن الأنسان اقوى من الظلم والقهر والطغيان والحرمان والتعذيب والمستحيل.)
( إن الكراهية تنهش الروح.. وتضعضع الجسد.. إنها لا تجدي نفعاً، ولن تعيد إلى الذي مضى.. ولا عمري الذي ضاع سدى..
 ولن تعوض خسائر عائلتي، ولن تبلسم جراح أمي وإخوتي.. الكراهية مدمرة...
قاتلة..فتاكة.. ونحن نريد أن نحيا بسلام هذه السنوات المعدودة.. وقبل فوات الأوان)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق