راكضة بلا ألم..
هي وحدها على أطراف
الزمن تبعثر الأشياء الساكنة، و تشتهي في هدوء السماء الزرقاء ركض السحاب إلى آفاق
بعيدة، تكرهُ جمود أوراق الشجر و ارتحال الريح ليحتل السكون الزوايا..لا معنى
للبحر دون أن تصطدم أمواجه بالصخر.. و لا تعنيها أسراب الحمام و هي تقف على أسطح
البيوت في صمت مضجر..
هي وحدها على أعتاب مدينة تتسربل عفّة و حياء.. منزلها
العتيق يصاحب البؤس و ينادم الفقر... لا شيء في مدينة صاخبة يُعيرها اهتماما ، حتى
الشوارع و الأرصفة تتباهى بزينتها و جمالها و هي تمارس ركضها اليومي دون حذاء..البشر
راكضون في هموم صغيرة أو كبيرة،لكنها تركض بلا همّ!! تلاشت الأحلام حتى في قطعة
خبز نظيفة، فلِمَ الهمّ بعد ذلك؟! و حتى
الصحة و العافية لم تعُدْ همّاً يُشغلها فلا دواء لمرض ٍ استفرد بالروح.. و لا
معنى لحياة جسد بلا روح!!
هي وحدها
تستمرىء الفرح و تُجامل السعادة و تضحك باستهزاء كلما أشرقت الشمس!! لكنها لا تملّ الركض في كل اتجاه ، و لا تعرف
للتعب معنى..تستوقف الزمن و تثبت قدماً في كل مكان تلامسهُ بخُطاها.. تتشدّق
بالكلمات و تلعب بالحروف و تُناطح بالقلم إذا أرادت ، و قد تُقاتل باليد و القدم و
العقل كأمهر لاعبي التيكوندو .. و ربما إذا اقتضى الأمر تُسابق الريح في الشوارع و
تُجادل الباعة في التفاصيل الصغيرة عن كل شيء ، و في كل شيء و مِنْ أين أتى ؟ و
كيف وصل؟ و كم ثمنه؟!! تدخل البيوت لتغسل، و تكنس ، و تطبخ الطعام، و تعلّم الصغار
و الكبار!
هي وحدها في شتى الميادين راكضة بلا ألم و وحدهُ الفقر و المرض ينهشُ جسداً
و روحاً تُصارعُ و تُناضلُ من أجل الغير..هي وحدها تزرع الجمال في كل الأحداق، و
تنثر في المدى إصرارا. و لها وحدها ترتفع الأكف بالدعاء كلما امتطتْ صهوة الغروب
إلى منزل بعيد يلفّهُ السكون ليتبعثر فيه صمت الزمان و تُحيي المكان بقناديل دموعٍ
لا تنتهي.
كُتِبَتْ عام 1428هـ
نُشرت سابقاً في المجلة العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق