السبت، 22 يونيو 2013

يا حادي العيس ... تحليل لقصيدة للشاعر : ماني الموسوس

تحليل لنص للشاعر : ماني الموسوس

لمَّا أناخوا قُبَيل الصبحِ عيسهُمُ ... و ثوّروها فثارتْ بالهوى الإِبِلُ
و أبرزتْ من خلال السّجفِ ناظرَها ... ترنو إليّ و دمعُ العينِ ينهملُ
و ودّعتْ بِبَنانٍ خِلتُهُ عَنَماً، ... فقلتُ: لا حمَلتْ رجلاكَ يا جمَلُ
ويلي من البين ما ذا حلّ بي و بها ... من نازحِ الوجد حلَّ البينُ فارتحلوا
يا حادي العيس عَرِّجْ كي أودِّعها ... يا حادي العيسِ في ترحالك الأجلُ
إني على العهدِ لم أنقض مودتهم، ... يا ليتَ شعري بطول العهدِ ما فعلوا؟


التحليل:


على عتبات الفقد و الوجع وقف شاعرنا لينسج لنا أبياتاً تتضوع حزناً و ألماً، فهاهم الأحباب أناخو العيس،و في تعبيره بالعيس دون كلمة( الجمال) إجادة من الشاعر لأن العيس هي الجمال المعدة للرحلة، فها هي الجمال تبرك ليركب الراحلون ثم تُثار الأبل لتقف و تبدأ المسير مبتعدة عن شاعرنا المفجوع.. و الشاعر أجاد في بيته الأول التصوير و الوصف لبداية الرحلة و ما يفعله الراحلون.. و في قوله ثوّروها فثارت بالهوى الأبل إجادة من الشاعر فهاهي الجمال تقف و معها يثور حبه و هواه الذي يسكنه و كأن الألم يتفجر في صدره.. و في مطلع أبياته: ( لمّا أناخوا...) تعبيره ب(لما) ممهد لشيء ما يأتي به شاعرنا في أبياته التالية.. و في البيت الثاني يواصل الشاعر وصف الاستعداد للرحيل..و يخص المحبوبة بالحديث فهاهي تبرز من خلال السجف ناظرها باكية حزينة ، و السجف الغطاء الرقيق و المقصود الهودج، فهي قد نظرت لشاعرنا باكية.. و دمع العين ينهمل..فالشاعر بعد وصف العام و استعداد القوم للرحيل خصّ المحبوبة ببيته الثاني و ركّز على تصوير حالها..و الشاعر هنا لم يقف على جمال المحبوبة أو تصوير مفاتنها لأن الموقف لا يحتمل ذلك فاهتم بما يناسب الحال و المقام.. و تعبيره بكلمة( ترنو) إجادة من الشاعر فالمحبوبة تطيل النظر لشاعرنا و دمعها ينهمل و يفيض..و الإنهمال فيض الدمع مع ضعف و إدامة، أما الإنهمار فهو سيل الدموع بقوة ففي ( ينهمل) إجادة في الاستعمال من الشاعر و تناسب القافية أيضاً. و في البيت الثالث قال : و ودّعت ببنان خلته عنما، إشارة إلى أن المحبوبة أشارت بيدها مودعة و ملوحة بكف يزينه الخضاب، و هذه الإشارة الوحيدة إلى شيء من جمال المحبوبة في الأبيات..و عبّر بالبنان و قصده الإشارة إلى خفاء إشارتها بالتوديع.. و الأبيات الثلاثة يربطها حرف العطف الواو فالمعاني تأخذ برقاب بعض.. و هنا نجد إجابة ل( لمّا أناخوا) فماذا فعل الشاعر؟ الجواب: أنه قال: لا حملت رجلاك يا جملُ! فالشاعر يدعو على الجمل الذي سيحمل محبوبته إلى البعيد..و الجملة قصيرة لكنها تحمل الأسى و الألم الذي يعتمل في قلب شاعرنا.. لا حملت رجلاك يا جملُ!.. يحترق قلب شاعرنا و ينفطر قلبه فيصيح: ( ويلي من البين...) الويل لشاعرنا من الفراق و البعد..الألم و عظيم التعب لشاعرنا الذي نزل البين بساحته و ساحة محبوبته.. ( من نازح الوجد) رحلت الحبيبة ..و حل الفراق..و ارتحلوا.. لقد ثارت الأبل و رحلت المحبوبة الآن.. فلم يبق بيد شاعرنا شيء إلا نداء لوعة و شوق و حنين مشبوب يصرخ به قائلا: يا حادي العيس..عرّج كي أودعها.. يا حادي العيس في ترحالك الأجل.... شاعرنا الموجوع ما الذي بقي لك و أنت تنادي حادي العيس غير شوق يتلظى في قلبك لمحبوبة راحلة؟! يا حادي العيس، و الحادي من يترنم بالحداء و الغناء كي تسير الأبل و تنشط للمسير الطويل.. و كأن الرحلة بدأت بل بدأت بالفعل.. و الحادي يغني.. و الشاعر يستصرخه : يا حادي العيس عرّج كي أودعها.. فقد ألجم الاستعداد للرحلة شاعرنا حتى تاه عن توديع محبوبته التي ودّعته ببنانها و دموعها بينما هو يشاهد الرحيل و قد حلّ البين بساحته... و هل يقف الحادي؟ هيهات.. و شاعرنا يؤكد ذلك فيقول: يا حادي العيس في ترحالك الأجل... الموت في رحيل المحبوبة يا حادي العيس فلا ترحل بالمحبوبة و لا تغني ففي رحلتك موتي و أجلي... و من مكان بعيد يأتي بيته الأخير و كأنه قاله بعد زمن طويل على رحيل المحبوبة: (إني على العهد لم أنقض مودتهم/ يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا) و إن كان الشاعر قد قال بيته هذا ساعة رحيل المحبوبة فكأنه يستشرف المستقبل و ينظر إليه.. و كأنه قد مضى زمن طويل على الفراق و البين و الرحيل و ما ذاك إلا لبعد المحبوب عن العين فهو يحاول أن يرسم لنا صورة ما يفعله الرحيل من ألم في قلب العاشق.. إني على العهد فأنا لم أنقض عرى المودة رغم طول العهد .. و المودة المحبة و الرحمة و هي أبلغ من المحبة فقط،وقد أحسن الشاعر في نسج هذه العبارة.. ثم ختم أبياته بتساؤل مشروع: ( يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا) فهو ما زال على حبه و لم تغيّر قلبه صروف الليالي، فماذا عن المحبوبة ؟! يا ليت شعري تمنى يحمل معنى الحزن الشفيف، فما ذا فعل الأحباب مع تقادم الزمن و طول العهد؟! هل اختلف الحب و تغيرت القلوب أم ما زال الود يعمر القلوب...
الأبيات تستحق التأمل، هي حزينة و مؤلمة، و بليغة .. و أحسن الشاعر نسجها بل و أبدع...
هذا و الله أعلم.

هناك 12 تعليقًا:

  1. أبدعت في شرح الأبيات
    فائق مودتي

    ردحذف
  2. نورتنا بالشرح الله ينورها عليك ومشكور

    ردحذف
  3. الردود
    1. الله يبارك فيك شرح جميل جدا

      حذف
    2. شعر جميل وراقي وشرح روووووزعة ولكم جزيل الشكر

      حذف
  4. وصف اكثر من جميل لأبيات من أجمل ما قالت العرب ورقت لها القلوب ... وليت حادي العيس عاد حاملا محبوبة الشاعر الرقيق المعذب ... واخذت تلك العيس صاحب اعلان شركة التنظيف ليذهب بمنظفاته المقززة للردر بلا عودة ولا اسف ولا اشتياق

    ردحذف
  5. ألف شكر
    تحليل لا يقل روعة عن القصيدة

    ردحذف
  6. شعر جميل وراقي والشرح جميل جدا ولقد ابدوعو فيها غناء وسلطنة رقي ولكم جزيل الشكر

    ردحذف
  7. New Bet365 casino: new live dealer casino in India - DRMCD
    New Bet365 casino: new live dealer casino in India We have a new casino review 양주 출장샵 that 계룡 출장샵 includes 서울특별 출장마사지 live 김해 출장안마 casino games, and one 광주 출장마사지

    ردحذف
  8. شعر عميق المعاني جميل ..شكرا لشرح معانيه

    ردحذف